زواج المسلمة من غير المسلم يهوديا
أو نصرانيا أو مشركا حرام
لفضيلة الشيخ عبد
الكريم مطيع الحمداوي
عقد الزوجية في الإسلام ليس كعقدها في جميع الديانات
الأخرى كتابية أو وثنية أو لادينية، بتميزه عنها جميعها
ابتداء واستمرارا وانتهاء.
ولئن كان هذا العقد في غير الإسلام مجرد اتفاق بين ذكر
وأنثى يباركه أو يوثقه بشر سواء كان رجل دين أورجل دولة،
فإنه في الإسلام علاقة ربانية ينشئها الله تعالى ويشهد
عليها ويأتمن الزوجين عليها ويسألهما ويحاسبهما يوم
القيامة بها.
يقول تعالى:
·
{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ
رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا}[].
·
{ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ
وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا }[
].
·
{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ
أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم
مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ
لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }[
]
·
{ خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ
ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا }[
].
هذه الوشيجة الربانية والعلاقة الإنسانية أبى الله عز وجل
إلا أن يصفها بالميثاق الغليظ
[
]،
بقوله:
{ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً }[
].
ومن العجيب أن هذا الوصف " الميثاق الغليظ" لم يطلق في
القرآن إلا على معنيين :
أولهما ميثاق الله عز وجل مع النبيئين وأقوامهم على
الإيمان والإسلام بقوله تعالى:
·
{وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ
وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى
ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً }[
].
·
{وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ
وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُلْنَا
لَهُمْ لاَ تَعْدُواْ فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم
مِّيثَاقاً غَلِيظاً }[
].
أما المعنى الثاني فخاص بالعلاقة الزوجية كما أسلفنا بقوله
تعالى:{وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً}[
]
، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة
الوداع (فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله
واستحللتم فروجهن بكلمة الله)[
]
، وقال: (وإنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن
بكلمة الله عز وجل، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى
من ائتمنه عليها، وبسط يديه وقال: ألا هل بلغت ألا هل
بلغت،ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من
سامع )[
].
فكان من مقتضيات هذا الميثاق لقوته ومتانته وعظم مسؤوليته
أن يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج وحسن الصحبة
والمعاشرة والولاء في الله ما يثقل كاهليهما ويحفظ أسرتهما
وذريتهما ويبرئ ذمتهما عند المساءلة بين يدي الله تعالى.
كذلك أيضا نجد تعظيما آخر من الله عز وجل لهذه العلاقة في
سورة الممتحنة، إذ جعلها أحد مَثَلين للولاء والبراء،
مَثَل منها ومَثَل من إبراهيم عليه السلام مع أبيه وقومه.
ذلك أن محور هذه السورة الكريمة هو عقيدة الولاء والبراء،
افتتحت بتحريم موالاة أعداء الله ومحبتهم بقوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم
بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ
الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن
تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ
جِهَاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي تُسِرُّونَ
إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِمَا
أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ
فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ }[
].
وختمت كذلك بتحريم اتخاذ الكافرين أولياء في قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا
قَوْماً غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ
الْآخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ
الْقُبُورِ }[
].
وبين دفتي هذه السورة ضرب الله تعالى مَثَلين توضيحيين
كاشفين لمدى خطورة هذه العقيدة في أهم مفاصلها، مفصل
العلاقة مع الوالدين والقوم، ومفصل العلاقة بين الزوجة
وزوجها، داعيا في الحالتين إلى اتخاذ الميثاق مع الله
مقدما على أي رابطة أخرى، وحاكما عليها.
الأول في علاقة إبراهيم بأبيه وقومه إذ يقول تعالى: {قَدْ
كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ
وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا
بُرَآء مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ
كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا
بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ
لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ
مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ
أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ }[
]
، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن
كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَن
يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ }[
].
أما المَثَل الثاني ففي العلاقة الزوجية، إذ حرم الله عز
وجل المرأة المسلمة على الكافر، بحيث لا تقوم هذه الآصرة
حق قيامها إلا من خلال الرجل المسلم ذي أهلية تحمل أمانة
الوفاء بهذا الميثاق الغليظ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ
فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ
فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ
إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ
يَحِلُّونَ لَهُنَّ }[
].
بهذه الآية الكريمة يكون اشتراط الإسلام في الرجل كي يكون
أهلا للزواج من المسلمة ثابتا ثبوتا قطعيا بنص الكتاب.
ولئن جادل بعضهم بمحاولة تأويل قوله تعالى{ وَلاَ
تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ
مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ
أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُو
إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ
آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }[
]،
فلا حجة لهم فيما ذهبوا إليه، لأن هذه الآية نفسها تؤكد
حكم تحريم زواج المسلمة من الكافر. وما محاولة ضرب آية
سورة الممتحنة بآية سورة البقرة إلا من تلبيس الأهواء
والغواية، والقول بأن أهل الكتاب ليسوا مشركين دعوى ساقطة
لتعارضها مع النقل الصحيح والعقل السليم، وما الداعي إليها
إلا كفر بما جاء عن الله تعالى أو خضوع مذل ومداراة سفيهة
ومسايرة وتزلف للتجبر الكتابي المعاصر.
إن الكفر في الشريعة الإسلامية هو تكذيب ما جاء عنه عز وجل
بواسطة نبيه - صلى الله عليه وسلم - سواء كان هذا التكذيب
جحودا للأسماء والصفات أو الربوبية والألوهية أو إنكارا
للنبوة وما نقل عنها صحيحا، أو رفضا للشريعة وتعاليمها،
وهو بذلك متضمن للشرك سواء كان الشرك بعبادة الأهواء أو
الأشجار أو الأحجار أو الرهبان والأحبار، ويدخل فيه بهذه
المعاني كلها اليهودي والنصراني والمشرك واللاديني، فيحرم
لذلك على المسلمة الزواج بأي منهم. لاسيما وقد ورد لفظ "
الكفار " في آية التحريم من سورة الممتحنة بصيغة الجمع
المعرف ب" أل" وهي تفيد الاستغراق ، أي جميع أصناف الكفرة.
كما أن صريح الكتاب والسنة
قد حسم هذا الأمر حسما قاطعا حين وردت النصوص المبينة أن
أهل الكتاب كفار ومشركون. فقد قال تعالى:
{لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ
ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ
وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ
الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }[
].
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ
الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي
إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ
إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ
فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ
النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ }[
].
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ
النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم
بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ
مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ،
اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً
مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا
أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ
إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ
عَمَّا يُشْرِكُونَ }[
].
هذه الآيات صريحة في أن اليهود والنصارى مشركون، لاسيما
عندما عقب على الآية الثالثة بقوله تعالى :( وَمَا
أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ
إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ
عَمَّا يُشْرِكُونَ )، وعلى الثانية بقوله:
(إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ
فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ
النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ).
تبين هذه المعاني كلها وتؤكدها سنة النبي صلى الله عليه
وسلم، فقد تواتر عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يسمي كل
من كان كافرا بالمشرك وكان الكفار في عهده ما بين يهودي
ونصراني وعابد وثن ومستشفع به ومنكر للبعث والتكليف.
كما روى الأعمش وسفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي البختري
قال: سئل حذيفة عن قول الله عز وجل:
(
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ
دُونِ اللَّهِ )، هل عبدوهم؟ فقال : لا ، ولكن أحلوا لهم
الحرام فاستحلّوه ، وحرموا عليهم الحلال فحرموه .[
]
وروى الترمذي عن عدي بن حاتم قال : أتيت النبي
صلى الله عليه وسلم
وفي عنقي صليب من ذهب، فقال: "ما هذا يا عدي ؟ اطرح عنك
هذا الوثن" ، وسمعته يقرأ من سورة براءة :
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ
دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ، ثم قال: "
أما إنهم لم يكونوا يعبدونهم، ولكن كانوا إذا أحلوا لهم
شيئاً استحلّوه ، وإذا حرّموا عليهم شيئاً حرموه "
[
].
وفي رواية البيهقي: ( أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وفي
عنقي صليب من ذهب فسمعته يقول اتخذوا أحبارهم ورهبانهم
أربابا من دون الله، قال: قلت يا رسول الله إنهم لم يكونوا
يعبدونهم، قال: أجل ولكن يحلون لهم ما حرم الله فيستحلونه
ويحرمون عليهم ما أحل الله فيحرمونه فتلك عبادتهم لهم )
[
].
وتقتضي هذه النصوص القطعية من الكتاب والسنة أن الكفر
يتضمن الشرك مبنى ومعنى وشرعا، إذ لو كان غير ذلك لوجب أن
يغفر الله عز وجل لأهل الكتاب بمقتضى قوله : {إِنَّ اللّهَ
لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ
ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ
افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً }
[
].
وهذا المعنى باطل بطلانا بينا.
كما أن قوله تعالى{ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ
حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن
مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ
إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ
وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ }[
]
يهدم ما ذهب إليه المبطلون لاسيما بتعقيب الله في نهاية
الآية بقوله (أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) لأن
علة التحريم في المشركين وهي الدعوة إلى النار قائمة في
أهل الكتاب أيضا.
هذه المعاني كلها بينتها السنة النبوية المطهرة ولخصتها
قولا وعملا، فقد أخرج ابن جرير عن جابر بن عبد الله قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " نتزوج نساء أهل الكتاب
ولا يتزوجون نساءنا "[
]
وعند عبد الرزاق وابن جرير عن عمر بن الخطاب قال " المسلم
يتزوج النصرانية ولا يتزوج النصراني المسلمة "[
]
وعند عبد بن حميد عن قتادة قال " أحل الله لنا محصنتين
محصنة مؤمنة ومحصنة من أهل الكتاب نساؤنا عليهم حرام
ونساؤهم لنا حلال "
[
].
إن تحريم زواج المسلمة بغير المسلم يعد من المسائل التي لم
يختلف عليها المسلمون ، والتي تواتر إجماعهم عليها منذ عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ فرق بين بنته زينب وزوجها
المشرك ثم ردها إليه بعد إسلامه
[
]،
إلى يومنا هذا، وما ذلك إلا لما فهموه من الكتاب والسنة
قطعيا، ولم يشذ عن هذا الحكم إلا شرذمة من ذوي الأهواء
والضلال، قدامى ومعاصرين ممن باعوا أنفسهم لغير الله
تعالى.
إن زواج المسلمة بغير المسلم ولو كان جهلا منها لا
استحلالا، يؤدي بها إلى الكفر مهما حاذرت وحرصت، لأن مآل
هذا الزواج أن يخل بعقيدتها ولاء وبراء.
ذلك أن الولاء شرعا هو محبة الله ورسوله وطاعتهما ومحبة
المسلمين في الله ونصرتهم، والبراء هو بغض من كفر بالله
ورسوله وشريعة الإسلام، أو أنكر الرسالة ومرسلها والمرسل
بها، أو حارب أهلها، بدليل قوله تعالى: {لَا تَجِدُ
قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ
كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ
أَوْ عَشِيرَتَهُمْ }
[
].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ
الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ
مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ
الظَّالِمِينَ }
[
].
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ إِن تُطِيعُواْ
الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ
فَتَنقَلِبُواْ خَاسِرِينَ }
[
].
{وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ
فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ
مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ }
[
]
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: أوثق عرى الإيمان الحب
في الله والبغض في الله [
].
وعن عمرو بن الجموح أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول
لا يحق العبد حق صريح الإيمان حتى يحب لله تعالى ويبغض لله
فإذا أحب لله تبارك وتعالى وأبغض لله تبارك وتعالى فقد
استحق الولاء من الله وإن أوليائي من عبادي وأحبائي من
خلقي الذين يذكرون بذكري وأذكر بذكرهم[
]
وعن عمرو بن الجموح أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم
يقول: لا يحق العبد صريح الإيمان حتى يحب لله ويبغض لله
فإذا أحب لله تبارك وتعالى وأبغض لله فقد استحق الولاية من
الله
[
]
وعن معاذ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل
الإيمان قال أن تحب لله وتبغض لله وتعمل لسانك في ذكر الله
قال وماذا يا رسول الله قال وأن تحب للناس ما تحب لنفسك
وتكره لهم ما تكره لنفسك[
].
وعن البراء بن عازب قال كنا جلوسا عند النبي صلى اللهم
عليه وسلم فقال أي عرى الإسلام أوسط قالوا الصلاة قال حسنة
وما هي بها قالوا الزكاة قال حسنة وما هي بها قالوا صيام
رمضان قال حسن وما هو به قالوا الحج قال حسن وما هو به
قالوا الجهاد قال حسن وما هو به قال إن أوسط عرى الإيمان
أن تحب في الله وتبغض في الله
[
].
وعن البراء بن عازب قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم:
أتدرون أي عرى الإيمان أوثق؟ قلنا الصلاة، قال: الصلاة
حسنة وليست بذلك، قلنا الصيام، فقال مثل ذلك، حتى ذكرنا
الجهاد فقال مثل ذلك، ثم قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم: أوثق عرى الإيمان الحب في الله عز وجل والبغض في
الله [
]
وبما أن الزوجة المسلمة في الأصل بفطرتها ومقتضيات دينها
تحب زوجها وتواليه وتطيعه وتنصره، فإن كان زوجها كافرا كان
ولاؤها ومحبتُها له ونصرتهُا إياه محبةً ضمنيةً للكفر
ونصرةً وطاعةً لأعداء ربها ورسوله ومبغضيهما، وهذا يتعارض
مع العقيدة السليمة ويهدمها.
خلاصة ما نصل إليه في هذا المبحث أن زواج المسلمة من غير
المسلم، الكتابي[
]
يهوديا كان أو نصرانيا، والمشرك واللاديني، لا يجوز شرعا،
ومحرم بإجماع كل المذاهب الإسلامية على اختلافها، ولا
يوجد رأي فقهي واحد يؤيد هذه المسألة، لا في كتب المتأخرين
ولا المتقدمين ولا في أقوالهم
وأن إنكار حكم التحريم هذا يوجب ردة القائل به، لأنه معلوم
من الدين بالضرورة، وغير خفي على عامة المسلمين وسوقتهم
بله علمائهم وسراتهم، وغني عن البيان التذكير بحكمة هذا
التحريم وضرورته لحفظ الأعراض دينا ونسلا ومجتمعا سويا
وأمة قوية رائدة، وإن كانت النصوص المحرمة لزواج المسلمة
من غير المسلم متضمنة كل هذه المعاني.
قصة توبة الإمام مالك بن دينار
رضي الله عنه
اليقين الراسخ والإرادة القوية واللطف الإلهي سبيل التوبة والتقوى، وطريق الخروج من الظلمات إلى النور، تلك الحكمة من هذه القصة العجيبة الغريبة، قصة توبة الإمام مالك بن دينار رحمه الله تعالى.( وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) التغابن11.
مالك بن دينار: علم العلماء الأبرار معدود في ثقات التابعين ومن أعيان كتبة المصاحف، ولد في أيام ابن عباس وسمع أنس بن مالك فمن بعده، وحدّث عنه وعن الأحنف بن قيس، وسعيد بن جبير، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، والقاسم بن محمد وغيرهم.
قيل: كان أبوه دينار من سجستان وكنّاه النسائي أبا يحيى وقال: ثقة، وقال ابن المديني: توفى مالك بن دينار سنة ثلاثين ومائة، فرحمه الله رحمةً واسعة.
قال علي بن المديني: ( له نحو من أربعين حديثاً )
وقال سليمان التيمي: ما أدركت أحدا أزهد من مالك بن دينار.
وعن شعبة قال: كان أدم مالك بن دينار في كل سنة بفلسين ملح.
وقال جعفر بن سليمان: كان ينسخ المصحف في أربعة أشهر، فيدع أجرته عند البقال فيأكله.
يقول مالك بن دينار عن نفسه:
( بدأت حياتي ضائعا سكيراً عاصيا .. أظلم الناس وآكل الحقوق، آكل الربا, أضرب الناس, افعل المظالم، لا توجد معصية إلا وارتكبتها، شديد الفجور يتحاشاني الناس من معصيتي .
في يوم من الأيام اشتقت أن أتزوج ويكون عندي طفلة فتزوجت وأنجبت طفلة سميتها فاطمة، أحببتها حباً شديدا، وكلما كبرت فاطمة زاد الإيمان في قلبي وقلت المعصية في قلبي، وَلَرُبَّـَما رأتني فاطمة أمسك كأسا من الخمر فاقتربت مني فأزاحته وهي لم تكمل السنتين .. وكأن الله يجعلها تفعل ذلك، وكلما كبرت فاطمة كلما زاد الإيمان في قلبي .. وكلما اقتربت من الله خطوة كلما ابتعدت شيئا فشيئاً عن المعاصي، حتى اكتمل سن فاطمة 3 سنوات، فلما أكملت الـ 3 سنوات ماتت فاطمة, فانقلبت أسوأ مما كنت، ولم يكن عندي من الصبر الذي عند المؤمنين ما يقويني على البلاء، فعدت أسوأ مما كنت وتلاعب بي الشيطان حتى جاء يوم فقال لي شيطاني : لَتَسْكَرَنَّ اليوم سكرة ما سكرت مثلها من قبل!! فعزمت أن أسكر وعزمت أن أشرب الخمر، وظللت طوال الليل أشرب وأشرب وأشرب فرأيتني تتقاذفني الأحلام .. حتى رأيت تلك الرؤيا, رأيتني يوم القيامة وقد أظلمت الشمس .. وتحولت البحار إلى نار.. وزلزلت الأرض ... واجتمع الناس إلى يوم القيامة والناس أفواج وأفواج وأنا بين الناس، وأسمع المنادي ينادي فلان ابن فلان هلم للعرض على الجبار, فأرى فلانا هذا وقد تحول وجهه إلى سواد شديد من شدة الخوف، حتى سمعت المنادي ينادي باسمي .. هلم للعرض على الجبار، فاختفى البشر من حولي (هذا في الرؤيا)، وكأن لا أحد في أرض المحشر، ثم رأيت ثعبانا عظيماً شديداً قويا يجري نحوي فاتحا فمه. فجريت أنا من شدة الخوف، فوجدت رجلاً عجوزاً ضعيفاًً فقلت : آه، أنقذني من هذا الثعبان، فقال لي: يابني أنا ضعيف لا أستطيع ولكن اِجْرِ في هذه الناحية لعلك تنجو، فجريت حيث أشار لي، والثعبان خلفي, ووجدت النار تلقاء وجهي، فقلت: أهرب من الثعبان لأسقط في النار، فعدت مسرعا أجري والثعبان يقترب، فعدت للرجل الضعيف وقلت له: بالله عليك أنجدني أنقذني .. فبكى رأفة بحالي وقال: أنا ضعيف كما ترى لا أستطيع فعل شيء ولكن اِجْرِ تجاه ذلك الجبل لعلك تنجو، فجريت للجبل والثعبان سيخطفني، فرأيت على الجبل أطفالا صغاراً فسمعت الأطفال كلهم يصرخون: يا فاطمة أدركي أباك أدركي أباك، فعلمت أنها ابنتي، ففرحت أن لي ابنة ماتت وعمرها 3 سنوات تنجدني من ذلك الموقف، فأخذتني بيدها اليمنى ودفعت الثعبان بيدها اليسرى وأنا كالميت من شدة الخوف، ثم جلست في حجري كما كانت تجلس في الدنيا، وقالت لي: يا أبت ألم يَأنِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله؟ فقلت: يا بنيتي .. أخبريني عن هذا الثعبان!! قالت: هذا عملك السيئ أنت كبرته ونميته حتى كاد أن يأكلك .. أما عرفت يا أبي أن الأعمال في الدنيا تعود مجسمة يوم القيامة..؟ قلت: وذلك الرجل الضعيف؟ قالت: ذلك العمل الصالح .. أنت أضعفته وأوهنته حتى بكى لحالك لا يستطيع أن يفعل لحالك شيئاً ولولا انك أنجبتني ولولا أني مت صغيرة ما كان هناك شيء ينفعك. فاستيقظت من نومي وأنا أصرخ: قد آن يا رب.. قد آن يا رب, نعم ألم يَانِ للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله, يقول: واغتسلت وخرجت لصلاة الفجر أريد التوبة والعودة إلى الله, دخلت المسجد فإذا بالإمام يقرأ نفس الآية:( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ).
من كتاب التوابين لابن الجوزي
ذلك هو مالك بن دينار من أئمة التابعين
هو الذي اشتهر عنه أنه كان يبكي طول الليل
ويقول:
إلهي أنت وحدك الذي يعلم ساكن الجنة من ساكن النار، فأي الرجلين أنا؟
اللهم اجعلني من سكان الجنة ولا تجعلني من سكان النار
تاب مالك بن دينار واشتهر عنه أنه كان يقف كل يوم عند باب المسجد ينادي ويقول:
أيها العبد العاصي عد إلى مولاك .. أيها العبد الغافل عد إلى مولاك أيها العبد الهارب عد إلى مولاك .. مولاك يناديك بالليل والنهار يقول لك: من تقرب مني شبراً تقربت إليه ذراعاً .. ومن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا ومن أتاني يمشي أتيته هرولة
من مواعظ الإمام مالك بن دينار وأقواله:
· وددت أن رزقي في حصاة امتصها لا ألتمس غيرها، حتى أموت.
· وقال: منذ عرفت الناس لم أفرح بمدحهم، ولم أكره ذمهم لأن حامدهم مفرط، و ذامهم مفرط.
· إذا تعلم العالم العلم للعمل كسره، و إذا تعلمه لغير العمل، زاده فخراً.
· ومر المهلب على مالك بن دينار متبختراً فقال مالك: أما علمت أنها مشية يكرهها الله إلا بين الصفين؟! فقال المهلب: أما تعرفني؟ قال: بلى، أوّلُكَ نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بين ذلك تحمل العذرة. فانكسر وقال: الآن عرفتني حق المعرفة.
· وقال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب البقاء لبطن ولا فرج.
· وقال: من تباعد من زهرة الدنيا، فذاك الغالب هواه.
· ودخل عليه لص، فما وجد ما يأخذ، فناداه مالك: لم تجد شيئاً من الدنيا، فترغب في شيء من الآخرة؟ قال: نعم، قال: توضأ وصل ركعتين، ففعل ثم جلس وخرج إلي المسجد، فسئل عن اللص فقال: جاء ليسرق فسرقناه.
· وقال مالك: خرج أهل الدنيا من الدنيا ولم يذوقوا أطيب شيء فيها، قيل: ما هو؟ قال: معرفة الله تعالى.
· وقال: أتينا أنساً أنا وثابت ويزيد القراشي فنظر إلينا، فقال: ما أشبهكم بأصحاب محمد لأنتم أحب إلي من عدة ولدي إلا أن يكونوا في الفضل مثلكم، إني لأدعوكم في الأسحار.
· وقال مالك: وددت أن الله يجمع الخلائق، فيأذن لي أن أسجد بين يديه، فأعرف أنه قد رضي عني فيقول لي: كن تراباً.
· وقال مالك: دخل عليّ جابر بن يزيد وأنا أكتب، فقال يا مالك: مالك عمل إلا هذا؟؟ تنقل كتاب الله، هذا والله الكسب الحلال.
· وعنه: لو استطعت لم أنم مخافة أن ينزل العذاب يا أيها الناس النار النار
· من كلامه: ما تنعم المتنعمون بمثل ذكر الله تعال
· وقال: لا تجعلوا بطونكم جرابًا للشياطين يوعي فيها إبليس ما شاء
· وقال: لقد هممت أن ءامر إذا مت أن أُغلّ فأدفع إلى ربي مغلولا كما يُدفع الآبق إلى مولاه
· وقال: عجبا ممن يعلم أن الموت مصيره والقبر مورده كيف تقر بالدنيا عينه وكيف يطيب بها عيشه
· وقال: كان الأبرار يتواصون: بسجن اللسان وكثرة الاستغفار والعزلة
· وقال:إن القلب إذا لم يكن فيه حزن خرب كما أن البيت إذا لم يسكن خرب
· وقال:أخذ السبع صبيا لامرأة فتصدقت بلقمة فألقاه فنوديت لقمة بلقمة
· وقال: إن الله جعل الدنيا دار مفر والآخرة دار مقر، فخذوا لمقركم من مفركم، وأخرجوا الدنيا من قلوبكم قبل أن تخرج منها أبدانكم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، ففي الدنيا حييتم ولغيرها خلفتم، إنما مثل الدنيا كالسم، أكله من لا يعرفه واجتنبه من يعرفه.
· مثل الدنيا مثل الحية مسها لين وفي جوفها السم القاتل، يحذرها ذوو العقول، ويهوي إليها الصبيان بأيديهم.
· وقيل لمالك بن دينار: ألا تستسقي؟ فقال: أنتم تستبطئون المطر لكني أستبطئ الحجارة
· كفى بالمرء شراً ألا يكون صالحاً، ويقع في الصالحين.
· ليس بحليم من نفذ غضبه في حمار أو هرة.
· أشد ما على السفيه الإعراض عن جوابه، وإظهار عدم التأثير له.
· قال موسى - عليه السلام -: يا رب أين أبغيك! قال: ابغني عند المنكسرة قلوبهم.
· ما أشد فطام الكبير..
· ما عاقب الله - تعالى - قلباً بأشد من أن يسلب منه الحياء.
· لم يبق لي من رَوْح الدنيا إلا ثلاثة: لقاء الإخوان، وتهجد بالقرآن، وبيتٌ خالٍ يُذْكَر الله فيه.
التوبة وشروطها
يقول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) التحريم 8، ويقول تعالى: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النور31، ويقول تعالى: (وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُود) هود 90، ويقول تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى)طه 82. وروى ابن ماجه رحمه الله أن الرسول محمدًا صلى الله عليه وسلم قال: التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: لو أنّ لابن آدم واديًا من ذهب أحبّ أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوب الله على من تاب.
والتوبة واجبة من كل ذنب كبيرة وصغيرة فورًا وقد تظاهرت دلائل الكتاب والسنة وإجماع الأمة على وجوب التوبة.والغفلة هي الانشغال بمعصية الله عن طاعته، فالمسلم العاقل هو الذي يقوّم نفسه ويأخذ بزمامها إلى ما فيه مرضاة الله تعالى ورسوله، وإن جنحت نفسه يومًا للوقوع في المعاصي والانهماك في الشهوات المحرمة، يعلم أنّ الخالق غفور رحيم، يقبل التوب ويعفو عن السيئات، وأنه مهما أسرف في الذنوب ثم تاب منها فإنّ الله يغفرها جميعًا. لقوله عزّ وجل: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) الزمر 53، والقنوط من رحمة الله هو أن يجزم المرء في نفسه بأنّ الله لا يرحمه ولا يغفر له بل يعذبه، وهذا القنوط ذنب من الكبائر.
شروط التوبة المقبولة
1 - الإقلاع عن المعصية أي تركها فيجب على شارب الخمر أن يترك شرب الخمر لتُقبل توبته والزاني يجب عليه أن يترك الزنا، أما قول: أستغفر الله. وهو ما زال على شرب الخمر فليست بتوبة.
2- العزم على أن لا يعود لمثلها أي أن يعزم في قلبه على أن لا يعود لمثل المعصية التي يريد أن يتوب منها، فإن عزم على ذلك وتاب لكن نفسه غلبته بعد ذلك فعاد إلى نفس المعصية فإنه تُكتب عليه هذه المعصية الجديدة، أما المعصية القديمة التي تاب عنها توبة صحيحة فلا تكتب عليه من جديد.
3 -والندم على ما صدر منه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: «الندم توبة« رواه الحاكم وابن ماجه.
4 - وإن كانت المعصية تتعلق بحق إنسان كالضرب بغير حق، أو أكل مال الغير ظلمًا، فلا بدّ من الخروج من هذه المظلمة إما برد المال أو استرضاء المظلوم؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: «من كان لأخيه عنده مظلمة، فليتحلله قبل أن لا يكون دينار ولا درهم« رواه مسلم رحمه الله.
5 - ويشترط أن تكون التوبة قبل الغرغرة، والغرغرة هي بلوغ الروح الحلقوم، فمن وصل إلى حدّ الغرغرة لا تقبل منه التوبة، فإن كان على الكفر وأراد الرجوع إلى الإسلام لا يقبل منه، وإن كان فاسقًا وأراد التوبة لا يقبل منه؛ وقد ورد في الحديث الشريف: إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر.
6- وكذلك يشترط لصحتها أن تكون قبل طلوع الشمس من مغربها، لما صح عن النبي عليه الصلاة والسلام: «إن في المغـــرب بابًا خلقــه الله للتوبة مسيرة عرضه سبعون عامًا لا يُغلق حتى تطلع الشمس منه. وقال عليه الصلاة والسلام: من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه.