مرحبا بكم في دار القرآن الكريم - تحديث شعبان 1429
 

الدرس الأول

رجال القراءات السبع

 يقول الشاطبي رحمه الله تعالى عن هؤلاء الرجال في متن الشاطبية:

فَمِنْهُمْ بُدُورٌ سَبْعَةٌ قَدْ تَوَسَّطَـتْ      سَمَاءَ الْعُلَى واَلْعَدْلِ زُهْراً وَكُمَّلاَ

لَهَا شُهُبٌ عَنْهَا اُسْتَنَارَتْ فَنَوَّرَتْ      سَوَادَ الدُّجَى حَتَّى تَفَرَّق وَانْجَلاَ

وَسَوْفَ تَرَاهُمْ وَاحِداً بَعْدَ  وَاحِدٍ      مَعَ اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِـهِ   مُتَمَثِّلاَ

تَخَيَّرَهُمْ نُقَّادُهُمْ كُلَّ  بَــارِعٍ      وَلَيْسَ   عَلَـى قُرْآنِهِ   مُتَـأَكِّلاَ

أي أنه سيورد أسماء رجال القراءات السبع الذين أطلق عليهم لقب (البدور) ومع كل واحد منهم صاحبان من أصحابه الذين أخذوا عنه، وسماهم ( شهبا ).

ثم شرع في سرد أسمائهم فبدأ بأولهم وصاحبيه وقال:

فَأَمَّا الْكَرِيمُ السِّرِّ في الطيِّبِ نَافِـعٌ     فَذَاكَ الَّذِي اخْتَارَ الْمَدينَةَ مَنْزِلاَ

وَقَالُونُ عِيسى ثُمَّ عُثْمانُ  وَرْشُهُمْ     بِصُحْبـَتِـهِ المَجْدَ الرَّفِيعَ تَأَثَّلاَ

يقول الشاطبي: أما البدر الأول فهو نافع بن أبي نعيم مولى جعونة، ويكنى أبا رويم، وأصله من أصفهان، كان إمام دار الهجرة، وعاش عمرا طويلا، قرأ على سبعين من التابعين منهم يزيد بن القعقاع وشيبة بن نصاح وعبد الرحمن بن هرمز، وقرؤوا على عبد الله بن عباس، على أُبَيّ بن كعب، على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وصف الشاطبي نافعا بقوله ( الكريم السر ) إشارة إلى أنه كان إذا قرأ يشم من فيه ريح المسك، فسئل: أتَـتَـطيَّبُ كلما قـعدت تقرئ الناس؟، فقال: ما أَمَسُّ طيبا ولكني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يفرأ في فِـيَّ ( في فمي)، فمن ذلك الوقت توجد فيه هذه الرائحة. وقد أقام نافع في المدينة المنورة إلى أن مات بها سنة تسع وستين ومائة( 169 هـ) على الأرجح في خلافة الهادي العباسي.

وأما صاحباه اللذان أخذا عنه:

فأولهما أبو موسى عيسى بن مينا الملقب بقالون، قرأ على نافع بالمدينة ومات بها سنة خمس ومائتين( 205 هـ).

والثاني أبوسعيد عثمان بن سعيد المصري الملقب بورش، ولد بمصر ثم رحل إلى نافع فقرأ عليه بالمدينة، ومات بمصر سنة سبع وتسعين ومائة(197هـ).

وأما البدر الثاني فهو أبو معبد عبد الله بن كثير المكي مولى عمرو بن علقمة، تابعي، وأصله من أبناء فارس، وكان طويلا جسيما أسمر أشهل يخضب بالحناء، قرأ على  عبد الله بن السائب المخزومي الصحابي، وعلى أُبَـيّ، وعلى مجاهد بن جبير ودرباس، على عبد الله بن عباس، على أُبَـيّ وزيد بن ثابت على النبي صلى الله عليه وسلم. ولد بمكة سنة خس وأربعين (45هـ) في أيام معاوية، وأقام مدة بالعراق ثم عاد إليها ومات بها سنة عشرين ومائة(120هـ)، في أيام هشام بن عبد الملك، وله رواة كثيرون، ذكر منهم الشاطبي اثنين فقال:

وَمَكَّةُ عَبْدُ اللهِ  فِيهَا  مُقَامُـهُ      هُوَ اُبْنُ كَثِيرٍ كاثِِرُ الْقَوْمِ  مُعْتَلاَ

رَوى أَحْمَدُ الْبَزِّي لَهُ وَمُحَمَّدٌ    عَلَى سَنَـدٍ وَهْوَ المُلَقَّبُ قُنْـبُلاَ

أولهما هو أحمد البزي أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله بن القاسم بن نافع بن أبي بزة، قرأ على عكرمة على إسماعيل، وعلى شبل بن عباد على ابن كثير.

وثانيهما هو أبو عمرو محمد الملقب بقنبل، قرأ على أحمد القواس على أبي الإخريط على إسماعيل على شبل ومعروف، وقرأ هذان على ابن كثير، وهذا معنى قول الشاطبي ( على سند ) أي بسند، يعني أنهما لم يرويا عن ابن كثير نفسه مباشرة، بل بواسطة هؤلاء المذكورين.

وأما البدر الثالث فهو أبو عمرو بن العلاء البصري المازني من بني مازن، أسمر طويل، عربي صريح خالص النسب. قرأ على جماعة من التابعين بالحجاز والعراق، منهم ابن كثير ومجاهد وسعيد بن جبير، على ابن عباس، على أُبَـيّ على النبي صلى الله عليه وسلم. ولد بمكة سنة ثمان وستين ( 68هـ) أو تسع وستين، أيام عبد الملك بن مروان، ونشأ بالبصرة ومات بالكوفة على الأرجح سنة أربع وخمسين ومائة (154هـ) في خلافة المنصور العباسي. وله رواة كثيرون ذكر الشاطبي منهم واحدا هو

يحيى بن المبارك المعروف باليزيدي لأنه كان عند يزيد بن المنصور يؤدب ولده فنسب إليه. ثم فرع من يحيى اليزيدي اثنين ممن قرأ عليه:

أولهما أبو عمرو حفص بن عمر الدوري.

والثاني أبو شعيب صالح زياد السوسي.

وهذا معني قول الشاطبي:

وَأَمَّا الإْمَامُ المَازِنِيُّ صَرِيحـُهُـمْ       أَبُو عَمْرٍو الْبَصْرِي فَوَالِدُهُ   الْعَلاَ

أَفَاضَ عَلَى يَحْيَى الْيَزيدِيِّ  سَيْبَهُ      فَأَصْبَحَ بِالْعَذْبِ الْفُرَاتِ  مُعَلَّـلاَ

أَبُو عُمَرَ الدُّورِي وَصَالِحُهُمْ أَبُو       شُعَيْبٍ هُوَ السُّوسِيُّ عَنْهُ تَقَبَّـلاَ

وأما البدر الرابع فهو عبد الله بن عامر الدمشقي التابعي، قرأ على المغيرة بن أبي شهاب، على عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعلى أبي الدرداء على النبي صلى الله عليه وسلم، ولد قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بسنتين بقرية يقال لها رحاب، ثم انتقل إلى دمشق بعد فتحها، ومات بها يوم عاشوراء من المحرم سنة ثماني عشرة ومائة (118هـ) أيام هشام بن عبد الملك.

أما رواته فقد ذكر الشاطبي منهم اثنين هما:

الأول أبو الوليد هشام بن عمار الدمشقي، قرأ على عراك المروزي وأيوب بن تميم، على يحيى الزماري على ابن عامر.

والثاني أبو عمر عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان، قرأ على أيوب ، على يحيى، على ابن عامر. وهذا معنى قول الشاطبي:

وَأَمَّا دِمَشْقُ الشَّامِ دَارُ ابْنِ عَامِرٍ     فَتْلِكَ بِعَبْدِ اللهِ طَابَتْ مُحَلَّلاَ

هِشَامٌ وَعَبْدُ اللهِ وَهْوَ انْتِسَابُـهُ      لِذَكْوَانَ بِالإِسْنَادِ عَنْهُ  تَنَقَّلاَ

ثم انتقل الشاطبي إلى ذكر أئمة القراءة في الكوفة:

فبدأ بالبدر الخامس وهو أبو بكر عاصم بن أبي النجود، تابعي، قرأ على عبد الله بن حبيب السلمي، وزر بن حبش الأسدي، على عثمان وعلي وابن مسعود وأُبَـيّ وزيد رضي الله عنهم، على الرسول صلى الله عليه وسلم. ومات بالكوفة أو السماوة  على الأرجح سنة ثمان وعشرين ومائة (128هـ)أيام مروان بن محمد الأموي. ثم ذكر الشاطبي اثنين من رواته هما:

الأول شعبة أبو بكر بن عياش بن سالم الكوفي، يروى أنه لم يُفْرَشْ له فِراشٌ خمسين سنة، وقرأ أربعا وعشرين ألف ختمة في مكان واحد كان يجلس فيه.

والثاني هو حفص بن سليمان الكوفي أبو عمرو، قرأ على عاصم، قال ابن معين هو أقرأ من أبي بكر بن عياش.

وهذا معنى قول الشاطبي:

وَبِالْكُوفَةِ الْغَرَّاءِ مِنْهُـمْ ثَلاَتـَةٌ      أَذَاعُوا فَقَدْ ضَاعَتْ شَذاً وَقَـرَنْفُلاَ

فَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعَاصِمٌ   اسْمُـهُ      فَشُعْبَةُ رَاوِيـهِ المُبَـرِّزُ أَفْضَــلاَ

وَذَاكَ ابْنُ عَيَّاشٍ أَبُو بَكْرٍ الرِّضَا      وَحَفْصٌ وَبِاْلإتْقَانِ كانَ  مُفصَّـلاَ

أما البدر السادس فهو حمزة بن حبيب الزيات الكوفي، ويكنى أبا عمارة، كان كما وصفه الشاطبي ذكيا متورعا متحرزا عن أخذ الأجرة على القرآن، صبورا على العبادة لا ينام من الليل إلا القليل، مرتلا لم يَلْقَهُ أحدٌ إلا وهو يقرأ القرآن، قرأ على جعفر الصادق على أبيه محمد الباقر، على أبيه زين العابدين ، على أبيه الحسين على أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام ورضي الله عنهم أجمعين.

ولد سنة ثمانين (80هـ) أيام عبد الملك بن مروان، ومات بحلوان على الأرجح سنة أربع وخمسين ومائة ( 154هـ)، أو ثمان وخمسين ومائة (158هـ).

ثم ذكر الشاطبي اثنين رويا عنه بواسطة سُلَيْم، وهما:

الأول خَلَف بن هشام البزار.

والثاني أبو عيسى خلاد بن خالد الكوفي. أي أن أبا عيسى خلاد وخَلَف بن هشام قرآ على سُلَيْم، وسُلَيْمٌ قرأ على حمزة. وهو معنى قول الشاطبي:

وَحَمْزَةُ مَا أَزْكاهُ مِنْ مُتَـوَرِّعٍ        إِمَاماً صَبُوراً لِلقُرانِ مُرَتِّلاَ

رَوَى خَلَفٌ عَنْهُ وَخَلاَّدٌ  الَّذِي        رَوَاهُ سُلَيْمٌ مُتْقِناً وَمُحَصِّلاَ

أما البدر السابع فهو أبو الحسن علي بن حمزة النحوي الكسائي مولى لبني أسد، فارسي الأصل، قيل له الكسائي لأنه أحرم في كساء متسربلا. قرأ على حمزة الزيات، وقرأ على عيسى بن عمر، على طلحة بن مصرف، على النخعي، على علقمة، على ابن مسعود، على النبي صلى الله عليه وسلم، عاش سبعين سنة ومات في قرية من قرى الري، صحبة الرشيد سنة تسع وثمانين ومائة (189هـ). وذكر الشاطبي من رواته اثنين هما:

الأول أبو الحارث الليث بن خالد.

والثاني هو أبو عمر حفص الدوري، الذي روى أيضا عن أبي عمرو بن العلاء.

وفي ذلك قال الشاطبي:

وَأَمَّا عَلــِيٌّ فَالْكِسَائـِيُّ نَعْـتُه      لِمَا كــانَ في الْإِحْرَامِ فِيهِ  تَسَرْبَـلاَ

رَوَى لَيْثُهُمْ عَنْهُ أَبُو الْحَارِثِ الرِّضاَ     وَحَفْصٌ هُوَ الدُّورِيُّ وَفيِ الذِّكْرِ قَدْ خَلاَ

وفي الختام بَـيَّنَ الشاطبي أن اثنين من البدور السبعة عربيان صريحا النسب، هما أبو عمرو بن العلاء وهو من بني مازن، وأبوعامر اليحصبي، ويحصب بطن من بطون حمير اليمنية. وأن الخمسة الآخرين شابَ الرقُّ أحدَهم أو أحدَ آبائهم، فقال:

أَبُو عَمْرِهِمْ والْيحْصَبِيُّ ابْنُ عَامِرٍ        صَرِيحٌ وَبَاقِيهِمْ أَحَاطَ بِهِ الْولاَ

 

 

الدرس الثاني

 

رموز القراءة ومصطلحاتها في الشاطبية

يقول الشاطبي مبينا أنه اتخذ من حروف الأبجدية رموزا على القراء ورواتهم:

جَعَلْت أَبَا جَادٍ عَلَى كُلِّ قَارِئٍ       دَلِيلاً عَلَى المَنْظُومِ أَوَّلَ أَوَّلاَ

ونشرح ذلك في الفقرات التالية:

1 - الأبجدية الحسابية :

اتخذ العرب في أول العهد من الحروف الأبجدية أداة للترقيم والحساب، وهو ما عرف بالترقيم الأبجدي، وظلوا يستخدمون هذا النظام الحسابي ( الترقيم الأبجدي) ـ رغم صعوبته ـ إلى أن طوروا نظام الترقيم الحديث. ويعرف نظام الترقيم العربي القديم باسم "حساب أبجد"  أو "حساب الجمل"، وفيه يرمز كل حرف إلى رقم خاص يدل عليه، وكان هناك بعض الفروق في ترتيب حروف الهجاء ودلالاتها الرقمية بين أهل المشرق العربي وأهل المغرب العربي، وقد رتب أهل المشرق الحروف على النحو التالي:

أبجد   هوز  حطي كلمن   سعفص   قرشت   ثخذ   ضظغ
أما أهل المغرب فقد رتبوا الحروف على النحو التالي:
 
أبجد   هوز   حطي   كلمن  صعفض    قرست   ثخذ   ظغش.

أما دلالة هذه الأحرف الرقمية فهي كما يلي:

(أ =1 )  ( ب = 2 )  (ج = 3 )  ( د = 4 )  ( هـ = 5 )  ( و = 6 ) ( ز = 7 ) ( ح = 8 ) ( ط = 9 ) ( ي = 10 ) ( ك = 20 )  ( ل = 30 )  ( م = 40 )  ( ن = 50 )  ( ص = 60 )  ( ع = 70 )  ( ف = 80 )   ( ض = 90 ) ( ق = 100)     ( ر = 200 )   ( س = 300 )   ( ت = 400 )   ( ث = 500 )   ( خ = 600 )   ( ذ = 700 ) ( ظ = 800 ) ( غ = 900 ) ( ش = 1000 ). 

2 -   ترتيب الحروف الأبجدية عند الشاطبي  : إلا أن الشاطبي استخدم الأبجدية لغرض آخر هو تمييز القراء والرواة عن بعضهم عند شرحه لاختلافهم في قراءة كل حرف من حروف القرآن الكريم ( لفظ " الحرف " عند القراء : معناه ما وقع الاختلاف فيه بين القراء من كلم القرآن سواء كان اسما أو فعلا أو حرفا..)،  وقد قسم الشاطبي الأبجدية وجعل كل ثلاثة حروف على حدة ، كما هو مبين فيما يلي:

أبج    دهز    حطي    كلم    نصع    فضق   رست   ثخذ    ظغش.

3 - رموز القراء والرواة:

ثم جعل لكل قارئ مع راوييه الاثنين ثلاثة حروف منها على النحو التالي:

1 - نافع:أ ( الألف )

قالون: ب ( الباء )

ورش : ج ( الجيم )

نافع وقالون وورش: أبج

 

2 - ابن كثير:د  ( الدال )

البزي: هـ  (الهاء )

قنبل: ز  ( الزاي )

ابن كثير والبزي وقنبل: دهز.

 

3 - أبو عامر: ح  ( الحاء )

الدوري: ط  ( الطاء )

السوسي: ي  ( الياء )

أبوعامر والدوري والسوسي: حطي

 

4 - ابن عامر:ك  ( الكاف )

هشام: ل  ( اللام )

ابن ذكوان:م  ( الميم )

ابن عامر وهشام وابن ذكوان: كلم

 

5 - عاصم:ن  ( النون )

شعبة: ص ( الصاد )

حفص: ع  ( العين )

عاصم وشعبة وحفص: نصع.

 

6 - حمزة: ف  ( الفاء )

خلف: ض  ( الضاد )

خلاد: ق  ( القاف )

حمزة وخلف وخلاد : فضق.

 

7 - الكسائي:  ر  ( الراء )

أبوالحرث:  س  ( السين )

الدوري:  ت  ( التاء )

الكسائي وأبو الحارث والدوري : رست

 

أما حرف الواو الذي يلاحظ عدم وجوده ضمن الرموز السابقة فقد احتفظ به الشاطبي ليجعله أداة للفصل بين الكلام إذ تم وبين الكلام الذي يليه، كما سيشرح ذلك فيما بعد بقوله:

وَمِنْ بَعْدِ ذِكْرِى الْحَرْفَ أُسْمِى رِجَالَهُ    مَتَى تَنْقَضِي آتِيكَ بِالْوَاوِ فَيْصَلاَ

 

 

 

 

 

 

 

 
 

 copyright 2004 www.zawiah.com جميع الحقوق محفوظة©
e-mail : zawiah@zawiah.com